فصل: الخبر عن إدريس بن عثمان بن أبي العلاء وإمارته بالأندلس ومصاير أمره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن إدريس بن عثمان بن أبي العلاء وإمارته بالأندلس ومصاير أمره:

لما هلك أبو ثابت بن عثمان بن أبي العلاء سنة خمسين وسبعمائة واستمر إخوته في جملة السلطان أبي عنان ملك المغرب وأقطعهم وأسنى جراياتهم وكان في إدريس منهم بقية الترشيح يراه الناس به فلما نهض السلطان إلى فتح قسنطينة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة توغل في ديار إفريقية وحام قومه عن مواقعها تحيلوا عليه في الرجوع به عن قصده منها وأذنت المشيخة لمن معهم من قومهم في الانطلاق إلى المغرب حتى خف المعسكر من أهله وتآمروا زعموا في اغتيال السلطان والإدالة منه بإدريس هذا ونذر بذلك فكر راجعا كما ذكرناه في أخباره ولما اشيع ذلك ركب إدريس ظهر الغدر وفر من العسكر ليلا ولحق بتونس ونزل على القائم بالدولة يومئذ الحاجب أبي محمد بن تافراكين خير نزل وأبره وركب السفين من تونس إلى العدوة فنزل على ابن القمص صاحب برشلونة في حشمه وذويه وأقام هنالك إلى أن كان من مهلك رضوان الحاجب المستبد بالأندلس سنة ستين وسبعمائة ما قدمناه فنزع إلى منبته من غرناطة ونزل على إسماعيل ابن السلطان أبي الحجاج والقائم بدولته يومئذ الرئيس محمد ابن عمه إسماعيل بن محمد الرئيس أبي سعيد فلقوه مبرة وتكريما ورجوه بالإدالة به من يحيى بن عمر أمير الغزاة يومئذ لما كانوا يتهمونه به من ممالأة المخلوع صاحب الأمر عليهم ولما نزع يحيى بن عمر إلى الطاغية ولحق بدار الحرب سنة إحدى وستين وسبعمائة عقدوا لإدريس بن عثمان هذا على الغزاة مكانه وولوه خطة أبيه وأخيه بدولتهم فاضطلع بها ومالأ الرئيس محمدا على قتل سلطانه إسماعيل بن الحجاج واستبد بالأمر ولسنتين من ولايته غلبه المخلوع أبو عبد الله على الأمر وزحف إليه من رندة كان نزل بها بعد خروجه من دار الحرب مغاضبا للطاغية وأذن له وزير المغرب عمر بن عبد الله في نزولها فنزلها ثم زحف إلى الثائر بغرناطة على ملكهم الرئيس وحاشيته فأجفلوا ولحق الرئيس محمد بن إدريس هذا بقشتالة ونزلوا في جملتهم وحاشيتهم على الطاغية فتقبض عليهم وقتل الرئيس محمد وحاشيته جزاء بما أتوه من غدر رضوان ثم غدر السلطان إسماعيل من بعده وأودع إدريس ومن معه من الغزاة السجن بإشبيلية فلم يزل في أسره إلى أن تحيل في الفرار بمداخلة مسلم من الأسرى أعد له فرسا أزاء معتقله ففك قيده ونقب البيت وامتطى فرسه ولحق بأرض المسلمين سنة ست وستين وسبعمائة واتبعوه فأعجزهم وجاء إلى السلطان أبي عبد الله محمد المخلوع فأكرم نزله وأحسن مبرته ثم استأذنه في اللحاق بالمغرب فأذن له وأجاز إلى سبتة وبلغ شأنه إلى صاحب الأمر بالمغرب يومئذ عمر بن عبد الله فأوعز إلى صاحب سبتة بالتقبض عليه لمكان ما يؤنس من ترشيحه وأودعه السجن بمكناسة ثم نقله السلطان عبد العزيز إلى سجن الغدر بفاس ثم قتلوه خنقا سنة سبعين وسبعمائة والله وارث الأرض ومن عليها.

.الخبر عن إمارة على بن بدر الدين على الغزاة بالأندلس ومصاير أمره:

قد ذكرنا أن موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الجق كان أجاز إلى الأندلس مع محمد وعامر ابني إدريس بن عبد الحق وقومهم أولاد سوط النساء سنة تسع وستين وسبعمائة ثم رجع إلى المغرب وفر إلى تلمسان وأجاز منها إلى الأندلس وولي إمارة الغزاة بها إلى أن هلك بعد أن أصهر إليه السلطان يوسف بن يعقوب في ابنته فعقد له عليها وزفها إليه سنة تسع وسبعين وسبعمائة مع وفد من قومهم وكان لموسى بن رحو من الولد جماعة أكبرهم المحمدان جمال الدين وبدر الدين وضع عليهما هذين اللقبين على طريقة أهل المشرق الشريف المكي الوافد على المغرب لذلك العهد من شرفاه مكة وكان هؤلاء الأعياص من ملوكهم وأقيالهم يعظمون أهل البيت النبوي ويلتمسون الدعاء والبركة منهم فيما تيسر من أحوالهم فحمل موسى بن رحو ولديه هذين عند وضعهما إلى الشريف يحنكهما ويدعو لهما فقال له الشريف خذ إليك جمال الدين وقال في الآخر خذ إليك بدر الدين فاستحب موسى دعاءهما بهذين اللقبين تبركا في بتسمية الشريف بهما فاشتهرا بهذين الاسمين ولما بلغا الأشد وشاركا أباهما في حمل الرياسة وكان من مهلكه ما ذكرناه وانحرفت رياسة الغزاة عنهما إلى عمهما عبد الحق وابنه فلحق جمال الدين منهما بالطاغية سنة ثلاث ثم أجاز البحر من قرطاجنة إلى السلطان يوسف بن يعقوب من معسكره من حصار تلمسان واستقر في جملته حتى إذا هلك السلطان تصدى ابنه أبو سالم للقيام بأمر وكان مغلبا مضعفا فلم يتم أمره وتناول الملك أبو ثابت حافد السلطان واستولى علبه وفر أبو سالم عشي مهلكه ومعه من القرابة جمال الدين هذا وأعمامه العباس وعيسى وفر أبو رحو بن عبد الله فتقبض عليهم في طريقهم بمديونة وسيقوا إلى السلطان أبي ثابت فقتل عمه أبا سالم وجمال الدين بن موسى بن رحو وامتن على الباقين واستحياهم وانصرف السلطان بعدها إلى الأندلس فكانت له في الجهاد آثاركما ذكرناه قبل وأما بدر الدين فلم يزل بالأندلس مع قومه ومحله من الرياسة والتجلة محله من النسب إلى أن هلك فقام بأمره من بعده ابنه علي بن بدر الدين مزاحما لقومه في الرياسة مباهيا في الترشيح وكان كثيرا ما يعقد له ملوك بني الأحمر على الغزاة من زناتة المرابطين بالثغور فيما بعد عن الحضرة من قواعد الأندلس مثل مالقة والمرية ووادي آش سبيل المرشحين من أهل بيته وكانت إمارة الغزاة بالأندلس مستأثرة بأمر السيف والحرب مقارعة للسلطان أكثر الجباية في الأعطية والأرزاق لما كانت الحاجة إليهم في مدافعة العدو ومقارعة ملك المغرب إلى ملك الأندلس يغضون لهم عن استطالتهم عليهم لمكان حاجتهم إلى دفاع العدوين حتى إذا سكن ريح الطاغية بما كان من شغله بفتنة أهل دينه منذ منتصف هذه المائة وشغل بنو مرين أيضا بعد مهلك السلطان أبي الحسن وتناسوا عهد الغلب على أقتالهم وجيرانهم وتناسوا عهد ذلك أجمع فاعتزم صاحب الأندلس على محو هذه الخطة من دولته وأغراه بذلك وزيره ابن الخطب كما ذكرناه حرصا على خلاء الجوله فتقبض على يحيى بن عمر وبنيه سنة أربع وستين وسبعمائة كما ذكرناه وعقد على الغزاة المجاهدين لابنه ولي عهده الأمير يوسف ومحا رسم الخطة لبني مرين بالجملة إلى أن توهم فناء الحامية منهم بفناء بيوت العصبية الكبرى فراجع رأيه في ذلك وكان علي بن بدر الدين خالصة له وكان مقدما على الغزاة بوادي آش ولما لحق السلطان به ناجيا من النكبة ليلة مهلك رضوان مانع دونه وظاهره على أمره حتى إذا ارتحل إلى المغرب ارتحل معه ونزلوا جميعا على السلطان أبي سالم سنة إحدى وستين وسبعمائة كما ذكرناه ولما رجع إلى الأندلس رجع في جملته فكان له بذلك عهد وذمه رعاهما السلطان له وكان يستخلصه ويناجيه فلما تفقد مكان الأمير على الغزاة ونظر من يوليه عثر اختياره على هذا لسابقته ووسائله وما تولاه من نصحه ووقوفه عند حده فعقد له سنة سبع وستين وسبعمائة على الغزاة كما كان أولوه فقام بها واضطلع بأمورها واستمرت حاله إلى أن هلك حتف أنفه سنة ثمان وستين وسبعمائة ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.